بقلم م. عاصم عبد الماجد
أحس براحة نفسية عميقة بعد أن دفن الصندوق الصغير تحت شجرة الزيتون.. راح يرص الأحجار فوقه لتكون دليلاً هادياً لمن سيطلبه ولو بعد عشرات السنين.. لم ينفض كفيه من غبار الأرض الطيبة، بل مسح منه بوجهه ويديه.. ثم نظر صوب المسجد المتواري هناك وراء الأفق البعيد.
تلفت خلفه مراراً ليلقي نظرات التوديع الأخيرة، فهو موقن بأنه لن يري هذا المكان مرة ثانية.. فعندما جاءوه صباح اليوم ليسألوه عن (كلمة السر) رأى في بريق سيوفهم الخيانة، قال لهم إنها في الصندوق داخل الكوخ.. أبى أن يعطيهم إياه رغم إلحاحهم الشديد.. ابتسم كبيرهم في دهاء، وربت على كتفه ثم انصرفوا، وعندما أثارت خيولهم الغبار اشتم رائحة الغدر.. جلس على باب كوخه مضطرباً خائفاً.. لا.. هو لم يخف على نفسه، وإنما خاف على الصندوق.
نكس رأسه في حزن: " أهؤلاء هم الرفاق الذين حدثوني عنهم ؟!!! "
الآن – والآن فقط – أدرك لماذا ضاعت الأرض واستبيحت المقدسات.
قرر أن يتصرف بسرعة قبل أن يعودوا.. ذهب به بعيداً ودفنه هناك تحت الزيتونة العتيقة المطلة على المسجد المتواري خلف الأفق.
وها هو الآن عائد إلى كوخه راضي النفس مستريح الضمير.. ضربت وجهه نسمة لطيفة فابتسم.. فقد حملت إليه صهيل خيول العدو.. سالت على خده دمعة واحدة، لأنه تبين صوت حوافر خيول رفاق الأمس:
- رباه لقد جاءوا في صف الأعداء !!!!!!!
كانت الرماح تلمع تحت وهج شمس الظهيرة، والخيل تعدو بها نحوه.
كان موقناً أنه سيموت الآن.
ولكن كلمة السر ستبقى.
- تمت -