اسكت يا ولد

بقلم م.عاصم عبد الماجد
- اسكت يا ولد
كانت هذه آخر عبارة قالها رئيس مجلس الإدارة محمود فتحي قبل أن يستدير هو والضيف الألماني ليغادرا قسم الحسابات .
ظل الأستاذ / برعي واقفاً مكانه لعدة دقائق وقد تلون وجهه ، فقد كانت هذه الكلمات موجهة له هو شخصياً .. وعلى مرأى ومسمع من كل موظفي القسم الذي يرأسه هو الآن بعد أن خدم فيه كموظف لمدة ثمانية وعشرين عاماً كاملة.
حاول أشرف عماد أصغر موظفي القسم تهدئة الأستاذ/ برعي ولكن جهوده ذهبت سدى فاختار أن يصمت مثلما فعل بقية زملائه الذين راحوا يرقبون رئيسهم من طرف خفي محاولين إظهار أنهم لم يسمعوا شيئاً وأنهم منشغلون بأوراقهم وأعمالهم .
بعد قليل عاد الأستاذ/ برعي إلى مكتبه وألقى بنفسه فوق مقعده ثم ضرب المكتب بقبضة يده وهو يقول :
- هذه إهانة .. وسوف أردها له في أقرب فرصة ..ولولا الضيف الألماني لرددت له الإهانة فوراً .
للمرة الثانية تظاهر موظفو القسم بأنهم لم يسمعوا شيئاً .. وللمرة الثانية أيضاً حاول أشرف عماد أن يهدي الأستاذ/ برعي الذي انطلق يقول له :
- اسمع يا أشرف يا بني , هذه أمور لا تحتمل أنصاف الحلول .. الأمر يتعلق بكرامة الإنسان أولاً .. ويتعلق أيضاً بأموال الشركة .. سكت لحظة ثم أكمل :
ـ طريقة الحسابات التي يريد مني هو أن أتبعها سوف تضيع أموال الشركة ..
أبدى أشرف دهشته فراح الأستاذ / برعي يؤكد له ما قاله :
ـ نعم .. نعم.. أنا خبير يا بنى في الحسابات وأحسن طريقة هي التي نتبعها نحن ..
ـ وماذا ستفعل يا أستاذ / برعي .. فهو رئيس مجلس الإدارة ومن حقه أن ..
قاطعه الأستاذ /برعي قائلاً :
ولو .. ولو .. أنا لا يمكنني الموافقة على الطريقة التي يريدها .
ـ لكن يا أستاذ/ برعي .. هذه الشركة تم خصخصتها .. ورئيس مجلس الإدارة يستطيع أن ..
صمت أشرف ولم يكمل عبارته فسارع الأستاذ/ برعي يكملها له بصوت ملؤه الثقة :
ـ يستطيع أن يستغني عن خدماتي .. نعم أنا أعرف ذلك جيداً .
تنهد قبل أن يكمل ..
ـ لكن يا بني ماذا يبقى للإنسان إذا فقد احترامه لنفسه وأنا سأفقد احترمي لنفسي لو اتبعت طريقة أنا متأكد أنها غير صحيحة وأنها ستضيع أموال المساهمين .. ثم لا تنس أنه أهانني .. وكل شيء يهون إلا كرامة الإنسان ..
قالها الأستاذ / برعي وهو يلملم الأوراق من فوق مكتبه ويغلق أدراجه بالمفاتيح
ـ سأنصرف الآن .. من أراد منكم أن ينصرف فليتفضل ..
بعد لحظات كان هو وأشرف يهبطان السلم بدا الأستاذ / برعي مسروراً وهو ينصت لكلمات الثناء التي راح أشرف يلهج بها .
فجأة اختفت الابتسامة من فوق شفتي الأستاذ / برعي وتغير لون وجهه .. لم ينتبه أشرف لما يجري.. كان لا يزال يتحدث بصوت عال تنحنح الأستاذ / برعي فلم ينتبه أشرف أيضاً ولم يتوقف عن الحديث
لكزه الأستاذ/ برعي بكوعه في اللحظة التي كان رئيس مجلس الإدارة قد صار إلى جوارهم تماماً .
توقف ثلاثتهم في الممر المؤدي إلى البوابة الخارجية بينما تنحى الحارس الشخصي لرئيس مجلس الإدارة جانباً .
ـ هل اقتنعت يا أستاذ / برعي بالطريقة التي شرحتها لك .
ـ طبعا ًيا أفندم .. طبعاً..
ـ متى ستبدأ في تطبيق النظام المحاسبي الجديد .
ـ من صباح الغد يا أفندم .
ـ لكن غداً الجمعة يا أستاذ برعي
ـ آسف يا أفندم أنا نسيت من صباح السبت إن شاء الله .
ـ ممتاز.. ممتاز .
قالها وهو يومئ للحارس ويمضي نحو البوابة .. بدا الارتياح على وجه الأستاذ / برعي الذي راح يشيعه بنظرات ملؤها الود والاحترام .. قبل أن يفيق علي صيحة استنكار من أشرف :
ـ أستاذ/ برعي .. وأموال الساهمين .
لم يتردد الأستاذ/ برعي بل صاح وقد احمر وجهه وانتفخت أوداجه :
ـ اسكت يا ولد.
- انتهت -