وسع للكبير
مرحباً بك
فى منتدي الشيخ عاصم عبد الماجد
يشرفنا تواجدك معنا
وسع للكبير
مرحباً بك
فى منتدي الشيخ عاصم عبد الماجد
يشرفنا تواجدك معنا
وسع للكبير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وسع للكبير


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 أيـام العطـاء .

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 315
نقاط : 957
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/02/2013

أيـام العطـاء . Empty
مُساهمةموضوع: أيـام العطـاء .   أيـام العطـاء . Emptyالإثنين فبراير 04, 2013 10:05 pm

أيـام العطـاء .
بقلم م. عاصم عبد الماجد

غلبتها الدموع فاختنق صوتها ولم تستطع أن تكمل سورة الضحى.. كانت صورته ماثلة أمامها وكأنه يحضر ختمة تلاوتها.. هيئ إليها أنه يبتسم مشجعا ً إياها أن تستكمل القراءة وأنه بعد قليل سيرفع يديه ويدعو وتدعو معه.. ابتسمت من بين الدموع ردا ً علي ابتسامته.. أفاقت على الحقيقة فتمتمت:
- ليته كان هنا.. ليته كان هنا.. أغلقت المصحف كي لا تفسد الدموع صفحاته.
ـ في الأيام الأولى لزواجهما طلبت منه أن تسابقه.. قال لها:
- ماذا ؟!.
أجابته:
- ألم يسابق رسول الله زوجته عائشة فسابقته مرة وسابقها مرة.. هز رأسه ثم ابتسم ولم يقل شيئا ً.. ظنت أنه أهمل رغبتها فقالت في نفسها:
- ليتني لم أقل شيئا ً.
ـ في اليوم التالي اصطحبها في نزهة نيلية.. ظنت في بادئ الأمر أنه سيعبر بقارب إلى الشاطئ الأخر لكنها فوجئت به يجدف متجها إلى الجزيرة القابعة وسط النيل.. سألته:
- إلى أين؟!.
- إلى حلبه السباق ألم تطلبي مني أن نستبق؟!.
ابتسمت في دهشة.. فهم ما يدور في خاطرها.. فبادرها بقوله:
- أظننت ألا أحقق رغبتك؟!, هزت رأسها موافقة وهي تقول:
- أنت صاحب مهام أكبر من ذلك.. معاذ الله .. معاذ الله فقد كانت مهام رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر كثيرا ً من هذا فلم تشغله عن ذلك.
ـ عندما وصل إلى شاطئ الجزيرة صاح بها:
- هل نبدأ الآن أيتها المتسابقة؟!.
- أجابته بنفس لهجته: هل أنت مستعد أيها المتسابق؟!.
- نعم.
- فماذا لي إذا سبقتك ؟!.
- أجابها: مائة.
- قالت له: مائة جنيه؟!!.
- صاح معترضا: مائه قرش.
- فقالت ماذا؟!.. لا أوافق.
- فقال: إذا ً نعلن انسحابك من المسابقة.
- لا.. لن أنسحب.. فلنبدأ إذا ً هيا.. لكننا نسينا.
- ماذا نسينا؟!.
- نسينا تحديد خط النهاية.. فكل سباق له نهاية، حدقت النظر إلى الإمام ثم أشارت بيديها قائله:
- ما رأيك في هذه الشجرة لتكون هي النهاية؟!.
- اتفقنا.. فلنبدأ الآن 1-2-3
ـ انطلقا والريح تدفعهما إلى الخلف والسعادة تشدهما إلى الإمام.. كان يحرص ألا يندفع إلا بقدر اندفاعها.. تارة يتقدمها بخطوة كي يستحثها ثم يعود ويهدأ من سرعته قليلا ً حتى صارت أمامه.. مدت يدها وأمسكت بجذع الشجرة بقوة لتوقف اندفاعها وهي تصيح في فرحة طفولية غامرة:
- فزت.. فزت..
- لحق بها بعد لحظة وأمسك بالشجرة مثلما فعلت وهو يقول:
- ضاع الجنيه إذا.
ـ تلاقت عيناهما .. قرأ في عينيها سعادة غامرة بينما هي لم تستطع أن تقرأ شيئا ً في عينيه.. دعاها للجلوس قائلاً:
- والآن حفل توزيع الجوائز.. مد يده في جيبه وأخرج حافظة نقوده فراح يعبث بأصابعه بين جنباتها وفي أوراقها وهو يقول:
- فازت زوجتي بالجائزة الأولى والأخيرة.. فوجئت بأن يده الممتدة ناحيتها قد أطبقت أصابعها علي ورقة بمائة جنيه فقالت:
- ما هذا ؟!.
- قال: الجائزة.
- هزت رأسها لتعلن رفضها.. ما على هذا اتفقنا.
- ترفضين الجائزة؟!.
- وأنت ماذا بقي معك؟!.
- لا تخافي معي كثير.. مائة وستون جنيها.. قرشا.. ضحك فضحكت.. أمسك بالورقة المالية وشرع يكتب عليها.. إلى زوجتي.. توقف عن الكتابة وأطرق برأسه قليلا ً ثم رفعها وراح يحدق في عينيها قائلا ً:
- ما رأيك لو نتسابق مرة ثانية؟!.
- موافقة.. هل نبدأ الآن؟!. فأين خط النهاية هذه المرة؟!.
- فوجئت به يجيبها بقوله: (الآخرة )!!.
- صمتت.. لم تدر ما تقول.. فأكمل: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ), هزتها الآية.. عقب بقوله:
- فما دام الجميع سيصلون إلى هذا الموقف أليس من الأجدر بالعقلاء أن يستبقوا إلى الجنة؟!.
- هزت رأسها موافقة.. ابتسم وعاد يمسك بقلمه ويتابع الكتابة ..إلى زوجتي التي سبقني مرة ثم تعاهدنا على السباق الثاني وما ندري أينا سيسبق صاحبه.. كانت عينها تتابع ما يكتبه.. فلما كتب عباراته الأخيرة ورفع رأسه نحوها فوجدت نفسها تقول:
- أسأل الله أن أخرج من الدنيا قبلك.. فهم مرادها فقال:
- ليس على هذا يحرص المؤمن وليس مهما من يخرج قبل الآخر.. المهم أن يخرج العبد إلى رضوان الله وجنته.. وأنا أسأل الله إلا يميتنا إلا وهو راض عنا.. فمن سبق منا صاحبه فليجتهد الآخر أن يظل على الطريق فما أسرع وصول من تستقيم قدماه على الطريق.
ـ مد يده نحوها بالورقة... همت أن تعتذر عن قبولها لكن كلماتها المدونة فوقها جعلتها تغير رأيها.. فمدت يديها فتناولتها.. تأملتها قليلا ً بعينين حزينتين ثم دستها في حقيبتها وهي تشكره بكلمات متلعثمة.. لاحظ أن مسحة حزن وقلقً قد غشت وجهها.. فأسرع بسؤالها:
- لماذا القلق؟!.
- أخاف.
- قال لها: من أي شيء؟!.
- لا أدري.
- بل قولي.
- عافني.
- حلفت عليك أن تقولي.
- وأنت بجواري أشعر بقوه تعينني على الثبات .. أشعر بعزيمة عاليه تدفعني لئلا أضعف وأخاف .. سكتت فقال:
- أكملي.
- لا داعي.
- بل أكملي.
- أخاف إذا تركتني في منتصف الطريق ألا أقوى على المواصلة.. أن ينهار ثباتي، ابتسم وهو يقول:
- أتذكرين قصة أصحاب الأخدود؟!.
- نعم.. نعم.
- أتذكرين المرأة التي هموا بإلقائها في النار عقابا ً لها على إيمانها فخافت على صغيرها الذي تحمله على كتفيها؟!.
- نعم.. فماذا حدث؟!.
- أنطق الله الرضيع فقال لها: يا أميا اثبتي فإنك على الحق وهكذا ثبتها الله تعالي.. فالثبات نعمة من الله يهديها لمن يعلم في قلبه حرصا ً على الثبات.. فلا تخافي فإن الأمر كما قالوا: (لا خوف مع الله).
انفرجت أساريها وهي تردد:
- نعم لا خوف مع الله.
ـ قبل الغروب عند عودتهما بالقارب كان صوته يعلو رويدا ً رويدا ً مترنما ً بكلمات نشيد محببا ً إلى قلبه:
هـــــل ترانا نلتــقي أم أنـــها .. كانت اللقيا علي أرض السراب
ثم ولــــــت وتلاشى ظلـــــا .. واستحالـت ذكريــات للعــــذاب
هكذا يســـــأل قلبـــي كلمـــا .. طـــالت الأيام من بعـــد الغياب
فــــإذا طيفك يــــرنو باسمـا .. وكأني في استماع للجــــــــواب
***
حـين نـــــاداني رب منـــعم .. لحيــــاة في جنــــان ورحــــتاب
ولقــــــــــاء في نعيم داـــــئم .. بجــنود الله مرحي بالصحـــــاب
قـــدموا الأرواح والعمر فدا .. مستجيبين على غير ارتيــــــاب
فليعـــد قلبـــك مــــن غفلاته .. فلقاء الخـــلد في تلك الــرحـــاب
***
أيهـا الراحـل عذرا ً في شكـاة .. فـــــإلى طيـــــفك أنات عتــاب
قد تركت القلب يدمـــي مثقلا .. تائها في الليل في عمق الضباب
فإذا أمضي وحيـدا ً حــــــائرا ً.. أقطع الدرب طــويلا ً في اكتئاب
فإذا الليل خضــــم مــــوحش .. تتلاقي فيـــــه ألــــــــوان العذاب
***
أو لم نمضي على الحــق معـــا .. كي يعود الخير للأرض اليباب
ومضينــــا في طريـــق شائــك .. نتخلى فيــــه عن كــل الرغاب
ودفنــــا الشوق فــي أعمــــاقنا .. ومضينا فــي رضاء واحتساب
قــد تعاهـــدنا على السير معـــا .. ثــــم أعجلت مجيبــــا ً للـذهاب
***
لــم يعد يبرق في ليلـــــــي ثنا .. قــــد توارت كـل أنوار الشهاب
غير أني سـوف أمضي مثلمــا .. كنت تلقـــاني في وجه الصعاب
سوف يمضي الرأس مرفوعا فلا.. يرتضي ضعفا بقول أو جواب
ســـــوف تحدوني دمـاء عابقات .. قــــــــد أنارت كل فج للذهــاب
كان يبكي وهو يختم النشيد بهذه الكلمات وهي كذلك.. بعد قليل سألها:
- ما الذي أبكاك؟ّ.
- كيف لا أبكي والكلمات حزينة.. والصوت حزين.. والوجه حزين.
- وجهي أنا؟ّ!.
- نعم.
- إطلاقا ً.
- فلماذا بكيت إذا ً؟!.
- لم أبك حزنا ً.. إنما بكيت تأثرا ً بهذا الثبات العظيم من هذه المرأة العظيمة.
- المرأة؟!.. أهي أمرآه صاحبة هذه القصيدة؟!.
- نعم.. أتعرفينها؟!.. ألا تعرفين قصتها؟!.
- لا.. لا أعرف .. تردد ثم قال لها:
- سأحكيها لك إن شاء الله فيما بعد.
- بل الآن.
- كما تريدين، هي زوجة رجل صالح سجنوه وضربوه حتى مات.. صاحت في جزع:
- مات من التعذيب؟!.
- نعم.. وقد سجلت مشاعرها من بعده في هذه الأبيات الرائعة.. توقف عن الكلام وهو يرى وجهها قد تحول إلى لوحة من الحزن ثم حاول أن يغير مجرى الحديث.. ما هذا هل نحن في نزهه أم في مأتم!!, لماذا هذا الحزن؟!.
- أنت الذي أدخلت علي هذا الحزن بهذا النشيد الجنائزي.. صاح:
- كدت أنسى.
- ماذا؟!.
- ختمه القرآن اليوم موعدها.. سأقرأ ثم ندعو بعد ذلك.. بدأ يرتل القرآن ابتداء من سورة الضحى وبعد دقائق كان قد وصل إلى ختام القرآن.. رفع يديه إلى السماء يدعو وهي تؤمن خلفه حتى غابت الشمس وراء الأفق البعيد

ـ بعد زواجها بأقل من شهرين لاحظت عليه تغيرا ً.. سألته مرارا ً عن سببه فكان يتظاهر ويتهرب من الإجابة.. أدركت أن شيئا ً ما قد حدث.. مكثت عدة ليال تفكر فيما عساه يكون قد وقع.. عاشت في حيرة من أمرها هل هي التي تغيرت.. هل أخطأت في حقه أم أن ما اعتراه لا علاقة له بها؟!, أم ماذا؟!, لم تطل حيرتها كثيرا ً فقد فاتحها ذات ليلة بعد انتهائه من صلاة القيام وجلسا للاستغفار قبيل الفجر:
- يبدو أننا سنرحل قريبا ً.
- ماذا؟!.
- هناك أمور تستدعي أن نسافر.
- إلي أين ؟!.
- حتى ألان لا أدري.. كل ما أعرفه أننا سنرحل.
- ومتى نعود؟!.
- أيضا ً لا أدري... سكت لحظة ثم أردف قائلا ً: قد لا نعود إلى هنا مرة ثانية.
انطلق صوت المؤذن يعلن ميلاد فجر يوم جديد.. فانقطع الحديث بينهما وراح كل واحد منهما يردد خلف المؤذن ثم استأذن وانطلق صوب المسجد أما هي فشعرت أن زوجها قد بدأ مرحلة جديدة.. تذكرت كلماته يوم خطبها من أبيها:
- أكثر النساء يتزوجن وغاية همهن الدنيا وراحتها ونعيمها.. أما من تقبل الزواج من أمثالي فلا ينبغي أن تفكر إلا فى راحة الآخرة ونعميها.. نعم قد تنال من الدنيا ولكن الدنيا أيضا قد تنال منها.. فلا ينبغي أن نفرح فى الأولى ونخدع عند الثانية.
ـ عندما عاد من المسجد وجلس إليها قال وكأنه قد قرأ بعض ما يجول فى خاطرها:
- لقد تزوجتك وأنت على بينة من الأمر، لقد كنت تعرفين أني قد أتعرض لمصاعب ومخاطر كثيرة ورغم ذلك فقد رضيت.. وهذا شيء أحمده لك .. والآن أحسب أن أعيد عليك العرض مرة أخرى فإن شئت مضيت معي وأنت تعرفين أننا لا نطمع فى الراحة والنعيم فى هذا الدنيا بل فيما بعدها.. وإن كان هذا شاقاً عليك فلن أغضب إذا طلبتي.. قاطعته فى انفعال:
- أرجوك لا تكمل.. كانت الدموع تتجمع فى مآقيها.. فاضطر أن يخفف من حدة عبارته.. كنت أريد أن أقول:
- هل أنت نادمة على زواجنا؟!.
- هزت رأسها بالنفي.. هم أن يتكلم ولكنها قطعت علية الطريق بسؤال ذكى: متى سنرحل حتى أستعد لذلك؟!.
- فهم مرادها فابتسم ثم قال:
- فى غضون أسبوع بإذن الله تعالى.

ـ قضيا ساعة يحدثها على التغيرات التي حدثت فى سياسة العالم تجاه الحركة الإسلامية وأن هذا تم بناء على توجيهات من أمريكا بتقلص نفوذ التيار الإسلامي وكيف يستدعى ذلك تغير في نمط عمل كثير من الأخوة.. وأن هذا التغير قد شمله هو الأخر.. كانت ليلة من ليالي الشتاء الباردة.. نظر فى ساعته وقال:
- أرجو ان تنتهي من حزم الحقائب بسرعة فالموعد قد اقترب.. سأنتهي حالا ً من إعداد كل شيء... بعد لحظات كانا يقفان في غرفة نومها أمام المرآة الكبيرة.. حانت منها التفاته إلى قطع الأثاث المنتشرة بالغرفة وكأنها تودعه ثم عادت عيناها لتلتقي بعينيه في المرآة.. سألها:
- هل أنت حزينة لفراق غرفتك؟!.
- يكفيني أنك ستكون معي.
- نظر في ساعته وانحني ليحمل الحقيبتين قائلا ً:
- هيا.. قد حان الموعد
سارت خلفه تطفئ الأنوار وتغلق الأبواب عندما كانت تهبط الدرج خلفه لم تستطع أن تتبين بالضبط حقيقة مشاعرها وهي ترى نفسها وزوجها يخرجان إلى حيث لا تدري ويتركان خلفهما كل شيء.. هل كانت سعيدة بهذه التضحية؟!!, ربما.. هل كانت خائفة مما ينتظرها وينتظره؟!!, ربما.. هل كانت مشاعرها مزيجا ً من هذا وذاك ّ؟!!, ربما.. ربما.. لكنها كانت متأكدة من أن الشيطان يوسوس لها بين الحين والآخر: ليتك اخترت طريقا غير هذا الطريق.. تمتمت مراراً:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. انطلق مسرعا ً بعض الشيء في اتجاه الشارع الجانبي قريبا ً وأسرعت معه.. كان صوت المطر وهو يطرق أرض الشارع يختلط مع وقع أقدامها وخفقات قلبيها.
ـ اتجه نحو سيارة بيضاء وتبادل تحية قصيرة مع الشاب الجالس علي عجلة القيادة.. وما أن دلفا داخل السيارة حتى أدار المحرك ثم انطلق إلى الشارع الرئيسي هم بالانحراف يمينا ً أرادت أن تلتفت يسارا ً لتلقي نظرة أخيرة علي شرفة شقتها لكنها لم تفعل.. بل التفتت إلى زوجها الذي ركز نظراته إلى الأمام وكان يتمتم ببعض الكلمات.. هيئ إليها أنه يكلمها فسألته ماذا تقول؟!.
- أقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبي لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه ..إن كان في الحراسة كان في الحراسة.. وإن كان في الساق كان في الساقه ، إن استأذن لم يؤذن له.. وإن شفع لم يشفع له ).
- نزل الحديث علي قلبها باردا ً.. شعرت بهدوء وسكينة أزالت عنها كل قلق وخوف واضطراب.. طلبت منه أن يكرره على مسامعها... ظلت تردده حتى حفظته.
ـ كانت الشمس قد ارتفعت في المكان الذي استقرا في مكانهما الجديد.. ظل يضحك وهو يقارن بين هذا المكان وبين شقتهما الجميلة.. وكانت تبتسم وهى تؤكد له أن هذا المكان أحب إليها من شقتها.. وعندما سألها لماذا ؟!.
- أجابت: لأن الأمر كما قلت لي من قبل هذه أيام العطاء وليست أيام الأخذ فالعطاء الآن أحب إلي.. كان القلق باديا ً في كل تصرفاتها وحركاتها منعكسا ً على قسمات وجهها.. وكانت نظرات عينيها حائرة.. أما قلبها فكانت تتقاذفه مشاعر عديدة متداخلة.. حاولت أن تقنع نفسها بأن هذا هو الشعور الذي ينتابها كلما اقترب موعد حضوره الأسبوعي منذ وصلوا إلى هذا المكان الجديد منذ ستة أشهر.. لكن قلبها منقبض بصورة غير عادية رغم أنها ستزف إليه اليوم البشرى التي يحبها وينتظرها كل زوج.
- راحت تحدث نفسها: ماذا دهاني اليوم؟!, لقد أعتدت غيابه فلماذا القلق؟!, هل تراني ضعفت؟!.. لا.. لا.. لم تجد فائدة من محاورتها نفسها فقامت تطل من النافذة الوحيدة.. كانت الشمس قد غابت منذ فترة وبدأت أضواء مصابيح الشارع تلمع بين خيوط الظلام التي راحت تلف المكان بسوادها الذي يزداد قتامه شيئا ً فشيئا ً.
ـ راحت تنقل بصرها بين أضواء المصابيح وهي تحاول ترتيب الكلمات التي جهزتها لتقولها له منذ أدركت أنها حامل.. بعد محاولات اكتشفت أنها لم تعد تذكر شيئا ً مما تريد أن تقوله سوى أنها ستؤكد علي ما قاله لها من قبل: " إذا رزقنا الله بولد فإني أطمع أن يكون عالما ً عابدا ً مجاهدا ً، وإذا رزقنا الله ببنت فإني لا أحب لها أن تتزوج إلا من أكثر المسلمين عطاء وتضحية في سبيل دينه.. وفي كلا الحالين عليك أنت عبء عظيم في التربية والإعداد "..
- سألته يومها: وأنت هل ستنسي مسؤوليتك؟!.
- فأجابها: أنا قد لا أكون موجودا ً يومها.
ـ أستحوذ سواد الليل وقتامته علي ناظريها وهي تحدق من النافذة حتى خيل إليها أن المصابيح قد انطفأت.. هاجمها خاطر مرعب بأنه قد لا يعود اليوم.. قد لا يعلم النبأ السعيد الذي ينتظره.. هزت رأسها بقوة لتطرد تلك الوساوس والهواجس وعادت تمسح الشارع بناظريها علي أمل رؤيته عندما يأتي من طرف بعيد.. تري هل هناك أمل أن نعود معا ً إلى دارنا التي هجرناها.. أم أن هذا حلم بعيد المنال؟!.. تري هل يتوقف الظلم ضدنا فيعود الأمان إلى قلبي وقلبه؟!, قررت أن تناقش هذه الأمور عندما يأتي الليلة لكن ليته يأتي.. ليته يأتي.. تتابعت دقات قلبها وهي ترى شيئا ً يقترب من بعيد.. راحت تحدق فيه بقلق مشوب بالأمل.. صفقت بيديها دون أن تدري في فرحة طفولية عندما اكتشفت أنه هو.. رفع رأسه نحوها لم تتبين ملامح وجهه في الظلام.. لكنها ابتسمت ردا على ابتسامته التي تخيلت أنها ارتسمت على وجهه عندما رآها.. ثم أسرعت تعدو لتقف خلف الباب انتظارا ً لصعود السلم.. فجأة أنقطع التيار الكهربائي وقبل أن تتبين حقيقة ما جرى.. سمعت صوت طلقات الرصاص وصوت أقدام تجري هابطة السلم.. لم تشعر بنفسها وهي تجذب الباب بعنف وتخرج مندفعة.. تعثرت قدماها بشيء ما.. فسقطت وهي تهتف باسمه.. سمعت تأوها ً وهي تتدحرج علي درجات السلم.. قامت مسرعة وعادت الصعود والدم ينزف من جروح برأسها ويديها وقد أدركت أن الذي تعثرت به هو زوجها عندما ً مدت يدها تتحسسه وهي تناديه.. انبعثت أضواء المصابيح من جديد.. كان الدم ينزف من تحت قميصه مزقته بيديها لتجد الصدر مخترقا بعدة رصاصات.. راحت تضغط على موضع خروج الدم وهي تصيح به:
- أين أقرب طبيب؟!.
- أنا لم أتأخر عن موعد حضوري يا زوجتي العزيزة.. انتحبت وهي تكرر:
- قل لي أين أجد الطبيب؟!.
- هذا زمان العطاء يا فتاتي.. وليس أقل من أن أعطي نفسي.
- قامت مسرعة لتتجه إلى الشارع.. أمسك بيده ذيل ثوبها فتوقفت.. لم يبق إلا دقائق معدودة في مشوار العمر وأريد أن أتحدث إليك فهل ستتركينني الآن؟!.
- ألقت بنفسها فوق صدره وراحت تضغط مرة ثانية على جروحه وهي تبكي في صمت.
- كفكفي عنك دموعك فليس هناك ما يدعو لذلك.. لقد وصل زوجك على ما يبدو إلى خط النهاية.. التقط أنفاسه لحظة ثم أكمل:
- هل تتذكرين السباق الذي كان بيننا ؟!.. - لم تجبه - .. دفنت رأسها بين وجهه وكتفه وهي تبكي في حرقة.. لقد سبقتني في المرة الأولى ويبدو أنني اليوم سوف أسبقك.. وأني أطمع أن تكون نهايتي الجنة.. رفعت رأسها وراحت تملأ عينيها من صورة وجهه ودموعها تسقط وتغسل صدره من آثار الدم.. أمسك بيدها وضغطها بين يديه وهو يقول:
- لماذا لا تتحدثين؟!, ألا تريدين أن تقولي شيئا ً؟!.
- غالبت أخزانها واجتهدت أن تخرج الكلمات من بين النحيب وقالت وهي تمسح بيدها فوق رأسه:
- قريبا ستحقق أمنيتك.. سيكون لك ولد.. أبتسم بسمه... صمتت ولم تستطع أن تكمل الحديث.
- أبتسمي يا فتاتي فإني أريد أن أرى ابتسامتك فإنني سعيد الآن وأريد أن أراك سعيدة مثلي.. حاولت أن تبتسم ولكن أحزانها كانت أكبر من ذلك بكثير.. أراد أن يرفع يده ليمسح على رأسها لكن قواه خانته.. تمتم بالشهادتين ثم مالت رأسه.
ـ أفاقت على صوت ولدها وهو يدخل حجرتها..
- أمي أين أنت؟!, مسحت دموعها بخمارها وأجابته بصوت متلعثم:
- أنا.. أنا هنا.
- ما هذه الدموع يا أمي؟!.
- لاشيء..لا شيء.. يا بني أجلس حتى أختم القرآن تلاوة ثم ندعو معا ً كما كان يفعل أبوك.
- سأجلس ولكن قولي لي أولا ً ما الذي أبكاك ؟!.
- حدقت فيه النظر قليلا ً وابتسمت وهي تلمح شبهه الشديد بوالده... نهضت واقفة إلى جواره وأخذت رأسه بين يديها وقبلت جبهته:
- لا تشغل بالك يا بني بذلك.. ابتسم يا بني فإنني أحب أن أرى ابتسامتك.
ـ حانت منها التفاتة إلى المرآة الكبيرة فاستدارت واستدار معها ليقفا في مواجهة المرآة.. نظرت إلى ابنها في المرآة فقد كانت تقف إلى جوار أبيه قبل أعوام طويلة في تلك الليلة البعيدة من ليالي الشتاء الباردة.. لم تستطيع أن تمنع نفسها من الحديث عن زوجها.
- سأقول لك يا بني ما الذي أبكاني.. تذكرت والدك وقد وقفت إلى جواره في هذا المكان منذ سنين عديدة ليله أن هجرنا هذه الدار فرارا ً من الظلم.. تذكرت كلمته التي قالها لي.. قال لي: هذه أيام العطاء.. كادت الدموع أن تقفز من مآقيها وعادت تقول:
- هيا.. هيا نختم القرآن وندعو فإن مسيرة العطاء تحتاج إلى زاد وهذا زادنا.. انطلقت ترتل بصوت حزين
بسم الله الرحمن الرحيم: (والضحى), انتبهت إلى معنى الآية.. فراحت تكرر في نشوة وفرح: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى, وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://assemabdelmaged.alafdal.net
 
أيـام العطـاء .
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
وسع للكبير :: أدب اسلامي :: أدب اسلامي-
انتقل الى: