وسع للكبير
مرحباً بك
فى منتدي الشيخ عاصم عبد الماجد
يشرفنا تواجدك معنا
وسع للكبير
مرحباً بك
فى منتدي الشيخ عاصم عبد الماجد
يشرفنا تواجدك معنا
وسع للكبير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وسع للكبير


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 ملامـح وجــه أبـــي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 315
نقاط : 957
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/02/2013

ملامـح وجــه أبـــي Empty
مُساهمةموضوع: ملامـح وجــه أبـــي   ملامـح وجــه أبـــي Emptyالإثنين فبراير 04, 2013 10:11 pm

بقلم.. عاصم عبد الماجد
كان يسمعها بوضوح وهي تكرر النداء عليه مؤكدة أنهما ربما قد تأخرا عن موعد وصول القطار, إلا أنه كان مشغولا بما هو شديد الأهمية في رأيه, فقد كان يعيد النظر إلى وجهه في المرآة.. هي أكدت له مرارا أنه يشبه والده كثيرا وأن قسمات وجهه هي قسمات وجهه.. كان في الحقيقة يريد أن يحفظ ملامح وجهه جيدا - رغم أنه يحفظها قطعا - فهو اليوم على موعد لرؤيته, لأول مرة سيرى والده رغم أن عمره الآن قد تجاوز الثلاثة عشر عاما بقليل, كانوا قد أتوا إلى هنا وأخذوه معهم قبل ولادته بشهرين ومن وقتها لم يعد ولم يسمحوا لهم برؤيته إلا مرة واحدة قبل حوالي عشرة أعوام عندما طلبت والدته الطلاق من أبيه, يومها فقط سمحوا للزوجة والمأذون بالدخول لرؤيته وبمجرد إنهاء إجراءات الطلاق الرسمية انتهت الزيارة, لم يذهب وقتها مع والدته وهو لم يرها لتحكي له هذا الأمر لكنه علم كل شيء من جدته الطيبة.. لم يسمعها يوما تذم والدته رغم كل ما حدث فهي قد طلقت ثم سرعان ما تزوجت ولم تعد تسأل عنه وهو ابنها الوحيد من زوجها الأول.
اختلس النظرة الأخيرة إلى وجهه في المرآة قبل أن يستسلم ليد جدته التي جذبته نحو الباب وهي تصيح:
- هيا.. هيا.. كفاك عنادا.
أدرك في صوتها رنة فرح ربما لم تطرق أذنه طيلة أعوامه الثلاثة عشر. بالأمس فقط سمع صوتها وفيه رنة الفرح هذه.. كان ساعي البريد قد دسّ في يدها بسرعة تلغرافا وقبل أن تقرأه كان قد انصرف, صاحت بحفيدها في فرح ممتلئ بالدهشة:
- أبوك.. أبوك..
أقبل يهرول من غرفته.. ظن أنه بالباب.. عندما لم يجد أحدا سواها نظر إليها وقد علت قسمات وجهه علامة استفهام.. أشارت إلى الورقة.. اختطفها من يدها وقرأ أسطرها القليلة .. أدرك سر فرح جدته فغدا سيصل والده كما تقول الورقة في قطار التاسعة مساءا القادم من أقصى الجنوب.
لم يناما من وقتها فهي أعادت على مسامعه كل ما كانت تحكيه له طيلة السنوات الماضية عن والده.. وفي صباح اليوم التالي اصطحبته إلى محل لبيع الملابس الجاهزة واشترت له قميصا طويلا إلى منتصف الساق كذاك الذي كان يلبسه والده.. واشترت له أيضا سروالا وطاقية.. هو لم يلبس الجديد إلا مرات معدودة فالحالة الاقتصادية لجدته لا تسمح بذلك.. فرغم أنها من أسرة ثرية بعض الشيء إلا أن ما حدث منذ اعتقال والده قد قضى على ثروتها.. فجده التاجر المعروف قد أصيب بجلطة في المخ حزنا على اعتقال ولده الوحيد وقد أنفقت الجدة الصابرة كل رأس مال تجارته على محاولات علاجه لكنه في النهاية توفي.. ولم يبق لهما من حطام الدنيا إلا إيجار دكان كان يمتلكه.. من هذا الإيجار كانا يعيشان بعد أن يرسلا كل شهر نصفه تقريبا لوالده في المعتقل بحوالة بريدية.
كاد يطير فرحا وهو يمشي بجوار جدته مسرعين نحو محطة القطار وزاد من فرحه هذا الزي الجديد.. لا لم يفرح هذه المرة لأنه جديد.. بل لأن جدته قالت له أنه يبدو أكثر شبها بوالده وهو يرتديه.. أدركت شوق حفيدها لسماع حديثها عن والده.. كانت هي الأخرى أشد شوقا للحديث عن ابنها.
- كان في وجهه نور.
نظر إليها مندهشا فأكملت:
- كالبدر يا بني في ليلة التمام.
سكتت لحظة ثم قالت بلهجة الواثق:
- ستراه بعد لحظات إن شاء الله.. وسترى بعينيك هذا النور.
خفق قلبها بشدة عندما لاح لها ميدان المحطة.. أسرعت في مشيتها دون قصد منها.. ناشدها مرارا أن تهدئ من سرعتها قليلا لأنها تكاد تهرول.. في الحقيقة لم تكن تسمعه فقد كان عقلها وقلبها وكل حواسها تسبق خطواتها المتسارعة نحو المحطة.. حتى لو سمعته فلم تكن بقادرة على التحكم في قدميها المندفعتين اندفاعا.. اضطر الصبي إلى القفز بخطوات واسعة كي يلحق بها في اندفاعها.
تنفست الصعداء وهي تقترب من باب المحطة.. الكل هنا يندفع مسرعا.. توقفت عن الحديث تماما.. لم يعد لديها قدرة ولا رغبة في الكلام..
فالآن ستراه.. أخيرا ستراه..
الآن ستنتهي آلام أربعة عشر عاما.. مات فيها زوجها.. وكسدت تجارته.. وطلقت زوجة ابنها.. وتحملت هي وحدها عبء تربية الحفيد وذاقت مرارة ذلك كله إلى جوار مرارة غياب قرة عينها كل هذه الأعوام الطوال.
الآن أيضا ستنتهي آلام ابنها.. آه من الحزن والانكسار والألم الذي كان يجتاحها بل كان يسكن جسدها طوال هذه الأعوام وهي تتذكر أنه ربما الآن يعذبونه.. ربما هو جائع.. ربما هو عار في ليالي الشتاء القاسية.. ربما هو مريض بلا دواء.. ربما هو خائف.
انحدرت دمعة ساخنة من مقلتها فتركتها تتدحرج فوق وجنتها لتسقط على الأرض..
دوت صافرة القطار فكاد قلبها يقفز من أضلعها.. تقلصت يدها القابضة على يد حفيدها وهي ترى القطار يتهادى ليقف إلى جوار الرصيف, رفعت قامتها وهي تدور بأعينها بسرعة بين أبواب القطار كي تلمحه من بين صفوف الجموع المتدافعة, كانت عربات القطار كثيرة, خافت أن يكون في بعض عرباته الخلفية فأسرعت تعدو إلى جوار القطار مخترقة الجموع وهي قابضة على يد الصبي.. عادت مرة ثانية نحو مقدمة القطار, كان قلبها ينبض بقوة وسرعة أحست أنه ربما توقف الآن عن الحياة من شدة القلق .. تصبب العرق غزيرا من وجهها.. كلما مضت لحظة دون أن تلمحه وسط القادمين كان توترها يزداد.. اشتعل القلق في قلبها.. زاغت عيناها .. كادت تسقط لكنها تماسكت بعد أن ترنحت في مشيتها.. وقفت برهة لتحفظ البقية الباقية من توازنها.. انتقل شيء من قلقها إلى الصبي الذي امتقع وجهه كان يسألها بلهفة:
- أين هو؟!.
لم تك تملك القدرة على الإجابة.. بدأ أملها يتلاشى عندما أطلق القطار صافرته مرتين ثم بدأ في التحرك سريعا وهو يطلق الصافرة الثالثة.. كاد صوت محركاته وعجلاته يصم أذنيها..
وقفت مذهولة وهي ترى رصيف القطار بعد لحظات خاليا.. إلا منهما هي والحفيد..
تعلقت ببقية أمل وهي تقول بصوت واهن:
- لعله غاب عن أعيننا وسط الزحام.. لعله الآن في طريقه إلى المنزل..
مسحت بعينين مجهدتين متوترين الرصيف الخالي الطويل للمرة الأخيرة قبل أن تستدير لتعود من حيث أتت.. لكنها توقفت فجأة وهي تسمع اسم ابنها يتردد من مكبر صوت مع رجاء إلى أهله بالتوجه لاستلامه من نقطة شرطة المحطة.
انبعث الأمل فجأة في نفسها.. عاد إلى وجهها الممتقع شيء من ماء الحياة.. أسرعت في مشيتها تجوب الرصيف بحثا عن نقطة شرطة المحطة..
صاحت وهي تشير نحو غرفة يقف أمامها جنديان:
- هنا.. هنا..
اقتحمت بسرعة وقبل أن يتمكن الجنديان من إيقافها كانت قد دلفت مسرعة إلى الداخل ومعها الحفيد .. فجأة وقفت واجمة عندما هبّ أربعة رجال واقفين.. تأمل الصبي بسرعة في وجوههم فلم يجد الملامح التي يعرفها.. التفت إليه جدته رأى الصدمة تكسو وجهها.
عاد ببصره إلى أحد الواقفين عندما سمعه يقول :
- أين مدافن أسرتكم؟..
أكمل وهو يشير بيده إلى شيء ممدد في ناحية من نواحي الغرفة:
- سيدفن بعد منتصف الليل..
أسرع الصبي إلى الجسد المسجى.. كشف الغطاء عن وجهه وراح يتفرس في الوجه بحثا عن شيء انتظره طويلا.. وعندما وجده أيقن أنه سيحرم منه إلى الأبد.. ألصق وجهه بوجهه وصرخ صراخا موجعا وهو يكرر:
- ملامح وجه أبي.. ملامح وجه أبي..
أسرع رجلان باجتذابه بعيدا.. قبل أن يغيب عنه وجه الرجل المسجى.. كان قد رأى النور.. رنت في أذنيه كلمات جدته:
- (كالبدر يا بني في ليلة التمام)..
ترنحت هي وقد اجتاحها إحساس رهيب مفزع بأنها لن تكون أما بعد اليوم.. وأن أمومتها قد دفنت اليوم بين جنابتها, تصاغرت كل آلام الماضي وأحزانه أمام هذا الشعور القاتل المخيف..
وقبل أن تسقط مغشيا عليها رأت نورا يشع من وجه حفيدها.. إنها تعرف هذا النور جيدا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://assemabdelmaged.alafdal.net
 
ملامـح وجــه أبـــي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ملامـح وجــه أبـــي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
وسع للكبير :: أدب اسلامي :: أدب اسلامي-
انتقل الى: