بقلم/ عاصم عبد الماجد
غاص الطفل في الفراش تحت اللحاف العتيق الذي يتدثر به جده وهو يكرر قوله:
لا .. سأنام معك الليلة.
لكن أمك يا بني لا تصبر على فراقك .. دعني أعيدك الليلة لها .. وفي الغد تأتي لنلعب معاً اليوم كله.
جذب الطفل اللحاف فوق رأسه وراح يرفس بقدميه مبدياً اعتراضه ..
لا .. لن أذهب .. لا .. لن أذهب.
تنهد الجد مصطنعاً الضيق وقال هو يخفي ابتسامته:
العشاء عند والدتك شهي .. وأنت تحب شرائح الجبن فوق قطع (التوست)
كشف الطفل وجهه وهو يؤكد:
لكن حكايات جدي أجمل .
أمك أيضاً ستحكي لك بالتأكيد حكايات جميلة ..
قال الطفل وهو يعبث بأصابعه الصغيرة في لحية جدة الكثيفة البيضاء
لا .. حكايات جدي أجمل بكثير ..
فليكن يا بني .. لكني الليلة مجهد .. لن أحكي كثيراً ..
أربع حكايات فقط
قالها الطفل وهو يشير بكفه الصغير باسطاً أربعة من أصابعه
أربع حكايات .. هذا شيء كثير
بل خمس
لا .. لا
إذا لم توافق سأجعلها ست حكايات
فقهقه الجد وهو يرفع يديه معلناً الاستسلام
فلتكن أربعاً فقط
قبل أن يبدأ الجد حكاياته باغته الطفل بسؤاله
لكن لماذا لا يريد أبي أن يأتي معنا .. لماذا يصر على البقاء بغزة؟!
ماتت الضحكة على شفتي الجد .
هو يبحث هناك يا بني عن طريق الخلود
الخلود ؟!
نعم يا بني ..
هز الطفل رأسه نافياً أن يكون قد فهم شيئاً .. بينما أكمل الجد
ثم إن الطريق بينه وبيننا في الضفة الغربية مقطوع يا بني كما تعلم
مسح الجد بسرعة دمعة أفلتت من عينيه قبل أن يراها حفيده ..
والآن نبدأ الحكايات .. هل أنت مستعد؟!
مستعد .. مستعد
حكاياتنا الأولي
حكايات نبي صالح مع قوم سوء
من هم
إنهم الذين قالوا:
"أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ"
يتطهرون؟!
نعم يا بني يتطهرون
هل سمعت عن الحرب على النقاب ..
لا لم أسمع .. أنا لا أفهم
لم يمهله الجد بل أكمل بسرعة
الحكاية الثانية
عن الحصار
الحصار ؟!
نعم .. نعم!! عندما حاصرت قريش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ثلاثة أعوام كاملة .. لم تسمح بأن يمر خلالها إليهم حبة قمح ولا كسرة خبز ..
ثلاثة أعوام كاملة!!
أي والله يا بني ..
ثم ماذا؟!
ثم فرج الله عنهم
تهدج صوته مجهشاً بالبكاء ..
ادع يا بني لوالدك وإخوانه .
وما علاقة أبي بهذه الحكاية
غداً ستعرف .
مط الطفل شفتيه إعلاناً عن عدم فهمه بينما أكمل الجد:
الحكاية الثالثة
عن الأحزاب ..
أية أحزاب ؟!
الأحزاب الذين حاصروا المدينة يوم الخندق كانوا يريدون استئصال شأفة الإسلام وأهله
استئصال شأفة !!!!
قالها الطفل وهو يتتعتع بها.. ولا يكاد يلفظ بحروفها ثم أردف
لا أدري ماذا تقصد
لكن الله أنجاهم " وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً"
أرجوك.. أشرح لي معني ذلك كله
غداً ستدرك معني ذلك كله ..
قالها في عجلٍ وهو يكمل ..
أما حكايتنا الرابعة
فعن القرية الظالم أهلها ..
الظالم أهلها
نعم .. الظالم أهلها ..
جدي .. أنا لم أفهم شيئاً الليلة .. لكن حكاياتك هذه جعلتني خائفاً ..
غداً يا بني عندما تفهم حكاياتي هذه لن تكون خائفاً ..
سكت الجد ثم أكمل
وعندها لن تكون معنا في الضفة الغربية
ستكون هناك في (غزة)